أكثر من «30» عاما قضتها الراقصة اللبنانية «المولد» والمصرية «الإقامة» ذات الشهرة الواسعة بديعة مصابني، التي تقترب أحداث حياتها من الأساطير بعد أن صالت وجالت في عالم الفن منذ انتقالها من بلاد الشام إلى القاهرة في عام 1910.
استطاعت مصابني ـ بحسب مذكرات وحوارات ومقالات رصدتها مسيرة حياتها ـ أن تحقق خلال مشوارها الفني الحافل شهرة طاغية فقد تربعت على عرش الرقص الشرقي لأكثر من ربع قرن، وحظيت بالعديد من الألقاب منها «الراقصة الأولى في مصر والشرق الأوسط» و«ملكة الشيشة والنرجيلة»، و«ملكة الملاهي الليلية» وغيرها..
ولعبت الفنانة مصابني خلال فترة عملها دورا مؤثرا في الحياة السياسية بمصر بل وشكلت جزءا من تاريخ مصر الفني والسياسي والاجتماعي، ما جعلها تمتلك سطوة وسلطانا يفتقده الكثير من الرجال سهَّل مهمتها في السيطرة على صعاليك وفتوّات شارع «عماد الدين» ورجال السياسة والحكم والاحتلال الإنكليزي آنذاك الذين كانوا زبائن دائمين في صالاتها. كما تخرّج على يديها عشرات الراقصات اللاتي حققن انتشارا بعد ذلك مثل تحية كاريوكا وسامية جمال وحكمت فهمي وصفية حلمي وببا عزالدين وغيرهن.
في هذه السلسلة نستعرض سيرة بديعة مصابني وحكايتها في حلقات عبر سطور «الراي» ونسلط الضوء على مسيرتها الفنية وعلاقتها بالحياة السياسية المصرية في تلك الأيام:
بعد كفاح طويل في عالم الفن والرقص والسياسة... امتد لـ «30» عاما، اختارت بديعة مصابني نهاية حياتها الفنية بإرادتها هي، حيث خططت للعودة إلى موطنها لبنان مرة أخرى بأموالها ومجوهراتها على أمل أن تعيد للفن شبابه أو على الأقل تضمن العيش الرغيد فترة طويلة من حياتها بعدما ذاقت مرارة الفقر المدقع والغنى الفاحش ومالهما من متناقضات.
لم تتحمل مصابني الديون والضرائب - بحسب ما روت في مذكراتها - التي تراكمت عليها ففكرت في بيع الكازينو، خصوصا بعدما أخذت الضرائب في محاصرتها عندما أعلنت الحكومة في ذلك الوقت عزمها على استيفاء ضرائب دخل لم تكن موجودة قبل الحرب، وقد فرض عليها مبلغ 39 ألف جنيه ورغم تأكيدها من أنها لن تتهرب من دفع هذه الضرائب إلا أن هذا المبلغ الكبير كان من الدوافع الأساسية لهروبها من مصر بعدما عقدت العزم على بيع الكازينو والهروب بعد ما جاءتها أنباء انتصارات ألمانيا ووقوف قوات هتلر على أبواب الإسكندرية.